.....



لم يقرأ كثيراً من صفحات الكتاب الذي بين يديه قبل أن يسأم منه. لم يكن يوماً يهوى القراءة بشدّة، أقلّه الأدبية منها وكانت قد مرّت فترة أكثر من سنة دون ان يقرأ فيها كتاباً جديداً. لكنه سئم ضوضاء السياسة العقيمة والسمجة، فقرر ان يلجأ للقراءة علّها تنسيه اياها وتنقله الى عالمٍ جديد يعيش في طيّات صفحات كتاب، ويحمل اليه أوجه أخرى من الحياة بات يفتقدها إذ لم يبقَ له سوى منحىً واحداً فرضته عليه الأجواء والأوضاع المحيطة به. لكنه تأثّر بالضوضاء الترويجية وأخطأ باختيار الكتاب.
يلقيه من يديه، ويتوجّه ليضع واحدة من أغانيه الصاخبة المفضلة علَّ صخبها يكسر صخبَ النهار، الذي ما زال صداه يتردّد في رأسه، ويحلّ مكانه. لا يحقق نجاحاً كاملاً فيقرر الإسترخاء ويذهب الى نافذته، يفتحها ويطلّ منها وينظر الى سماء الليل. لطالما عشق هدوء الليل وسماءه، ليست كسماء النهار تملأها الشمس ونورها الذي يبهره ويجبره ان ينظر فقط الى الأمام، الليل يعرّي السماء ويبسطها بجمالها وغموضها ونجومها ووسعها الذي يريح الناظر اليها. يتأمّل النجوم ويتوه بينها وتأخذه الأفكار الى أشخاصٍ يحبّهم وأشياءٍ يحبّها، تراوده أحلام وأفكار جديدة يشعر برغبة للعمل لها وتحقيقها، ثم ينتبه الى أنه يعيش واحدة من تلك اللحظات، اللحظات الصغيرة التي يرى فيها الأشياء بوضوح ويقرر ان يفعل. يفكر خلالها بأشياءٍ، احياناً كبيرة وأخرى صغيرة. تبدأ من الأشياء الشخصية كالخطة التي رسمها لمفاجأة حبيبته يوم عيد ميلادها الى الأشياء العامة او تلك المتعلقة بالعمل. لحظات ليست بطويلة، عندما يكون بصحبة المرآة وشفرة الحلاقة في الصباح، او خلال لحظة صمت في السيارة أو عندما يكون لوحده في المصعد او عندما ينظر الى فنجان القهوة بعد ان ينتهي منه ويضعه، وما شابهها من لحظات يستمتع بها قبل ان يعود التكرار اليومي ليسرقه من ذاته ويحتل الحصة الأكبر من وقته لا بل معظم وقته. واقع الأشياء دائماً بعكس ما يتمناه، يتمنّى لو كانت مساحة التكرار اليومي هي الأصغر، يأخذ نفساً عميقاً ثم....... يغلق نافذته.

Comments

Popular Posts